دوامة
كان يمشي وحيدا في الطرقات دون وجهة محددة، فلم يكن مهما بالنسبة له إلى أين سيذهب، ومن سيقابل؟ علم من مصدر مجهول داخل خلايا عقله الواعي واللاواعي أنه يجب أن يتحرك، ألا يظل ساكنا، لأن ذلك يعني فقدانه لعقله، شخصه، وحياته !!!!
في طريقه يحدث نفسه قائلا :
- أريد أن أعتزل محيطي فترة من الزمن، أريد أن أهرب، أن أبتعد، فقد بات كل شيء مزعجا ولا يطاق، لا أطيق التبرير، لا أجيد الشرح، ولا أريد أي نقاشات. أحاول جاهدا تجنبها والإبتعاد عنها فلا أستطيع فعل ذلك حقا، أشعر وكأنني أؤذي من حولي بمزاجيتي وسلوكي الغير مقصود، والذي لا أستطيع تبريره أبدا، فأناأفضل أن أدعه يمر، ويذهب حتى لا يبقى عالقا بذهني.
وجد أمامه مقعدا خاليا، وسط حديقة متآكلة الجدران، والأعشاب، ذابلة الزهور، ذكرته لوهلة بحالته البائسة، فجلس قبالة مقعد آخر، متخذا وضعية من يريد أن يبدأ محادثة أو نقاشا، فخاطب متحدثه الوهمي قائلا :
- هل تعرف ما أنا بحاجة إليه؟ أريد شخصا يفهم ما أنا بحاجة إليه دون أن أتحدث..
يجيبه المخاطب الوهمي :
- أنت احمق، فهذا مستحيل!!
- لماذا؟ مالضير في ذلك ؟
- لأنه إذا أردت شيئا، فيجب أن تخبرني به مباشرة، دونما تلميح، لأنني سأدهشك، سأصدمك، وسأفقدك أعصابك بغبائي فتذهب دون رجعة !!!
- حسنا أنت محق، لكنني لا أريد أن أتحدث كثيرا، كل ماأحتاجه هو بكاء كثير، ونوم طويل وعميق جدا... وكلاهما بعيدان كل البعد عني، فالوقت يمر بسرعة كبيرة، ورهانات النجاح والتألق تتضخم بسرعة أكبر، أما السعادة فأنا أراها تبتعد عني، تودعني...
هذا الفراغ يوشك أن يغشاني يا صديقي، لولا حبل ماأزال أتمسك به، يحاول جذبي من حين لآخر لينقذني من الغرق، ليذكرني بماهيتي، وبواجباتي التي لم أعد أعرفها جيدا.
- ا ....
- هذه التراكمات، تجبرني على الهروب، تستدعيني للخروج، للتمرد، لل...
- للإنعزال ياصديقي ...
- ماذا تقصد ؟
- ما أقصده أن شخصا انطوائيا مثلك، حاول جاهدا تمزيق شرنقته والتطلع إلى خارج قوقعته، فنجح في ذلك وأبدع فيه، فإنه مايزال ينظر خلفه، بتوجس وأحيانا بحنين إلى شرنقته، إلى صمته، وجومه وعزلته. لذلك فإن الحل الأقرب إلى قلبه هو الحل الثاني : الإنعزال.
فأنت لا تستطيع أن تكون متمردا لأنك شخص طيب القلب، وحسب معرفتي بك فستختار أن تؤذي نفسك على على أن يصيب الأذى محيطك.
- أنت محق، فأنا ضائع... أعجز عن الشعور، ولم أعد أعرف مالأشياء التي ستسعدني أو ستحزنني... متى أضحك، وكيف أبكي؟ كلها سيان يا صديقي ووجودها كعدمها.
قاطعه الصديق قائلا :
- وفي محاولة منك لإنقاذ نفسك، حاولت مجددا أن تختلط بمحيطك، ان تضحك عندما يضحكون، أن تلذذ بطعم أكلة أجمعوا على لذتها، أن تتسكع معهم في الطرقات... أردت أن تصبح أي شيء غير الفراغ الذي ينهشك، حتى لو كان ذلك على حساب فقدانك لشخصيتك، هويتك ومبادئك.
- أنت محق تماما، وكأنك أنا، هل أنت صوت عقلي؟ ضميري؟ أم صديقي ؟ صديقي الذي لطالما حلمت به.
- أنا ماأنت قادر على فعله، ولك حرية الإختيار صديقي.
- حسن يا .... "ماأنا قادر على فعله"، هل لك أن تلبي لي رغبة وحيدة ؟
- أنا هنا من أجلك... تفضل
- أريدك أن تحادثني... أريد أن أستمع كثيرا لكلام لا يزعجني، لكلام غير منمق، لكلام موضوعي بعيد عن المشاعر والشاعريات، عن الشكل والرسميات. أريد كلاما فقط... هل يمكنك ذلك؟؟
- حسن لك ذلك. أتعتقد أنك محظوظ كفاية، لأنك فكرت بإنقاذ نفسك قبل أن تنهار تماما؟ أنك ذكي لأنك اكتشفت علتك، ولا حظت أنك لم تكن إنسانا عاديا...
- ...ا
- طبعا، أنت كذلك، فأي إنسان هذا الذي لايشعر؟ أو فقد القدرة على الشعور، لم يعد لديه مايشعر به، والأدهى من ذلك لم يعد يعرف كيف يشعر ؟
في طريقه يحدث نفسه قائلا :
- أريد أن أعتزل محيطي فترة من الزمن، أريد أن أهرب، أن أبتعد، فقد بات كل شيء مزعجا ولا يطاق، لا أطيق التبرير، لا أجيد الشرح، ولا أريد أي نقاشات. أحاول جاهدا تجنبها والإبتعاد عنها فلا أستطيع فعل ذلك حقا، أشعر وكأنني أؤذي من حولي بمزاجيتي وسلوكي الغير مقصود، والذي لا أستطيع تبريره أبدا، فأناأفضل أن أدعه يمر، ويذهب حتى لا يبقى عالقا بذهني.
وجد أمامه مقعدا خاليا، وسط حديقة متآكلة الجدران، والأعشاب، ذابلة الزهور، ذكرته لوهلة بحالته البائسة، فجلس قبالة مقعد آخر، متخذا وضعية من يريد أن يبدأ محادثة أو نقاشا، فخاطب متحدثه الوهمي قائلا :
- هل تعرف ما أنا بحاجة إليه؟ أريد شخصا يفهم ما أنا بحاجة إليه دون أن أتحدث..
يجيبه المخاطب الوهمي :
- أنت احمق، فهذا مستحيل!!
- لماذا؟ مالضير في ذلك ؟
- لأنه إذا أردت شيئا، فيجب أن تخبرني به مباشرة، دونما تلميح، لأنني سأدهشك، سأصدمك، وسأفقدك أعصابك بغبائي فتذهب دون رجعة !!!
- حسنا أنت محق، لكنني لا أريد أن أتحدث كثيرا، كل ماأحتاجه هو بكاء كثير، ونوم طويل وعميق جدا... وكلاهما بعيدان كل البعد عني، فالوقت يمر بسرعة كبيرة، ورهانات النجاح والتألق تتضخم بسرعة أكبر، أما السعادة فأنا أراها تبتعد عني، تودعني...
هذا الفراغ يوشك أن يغشاني يا صديقي، لولا حبل ماأزال أتمسك به، يحاول جذبي من حين لآخر لينقذني من الغرق، ليذكرني بماهيتي، وبواجباتي التي لم أعد أعرفها جيدا.
- ا ....
- هذه التراكمات، تجبرني على الهروب، تستدعيني للخروج، للتمرد، لل...
- للإنعزال ياصديقي ...
- ماذا تقصد ؟
- ما أقصده أن شخصا انطوائيا مثلك، حاول جاهدا تمزيق شرنقته والتطلع إلى خارج قوقعته، فنجح في ذلك وأبدع فيه، فإنه مايزال ينظر خلفه، بتوجس وأحيانا بحنين إلى شرنقته، إلى صمته، وجومه وعزلته. لذلك فإن الحل الأقرب إلى قلبه هو الحل الثاني : الإنعزال.
فأنت لا تستطيع أن تكون متمردا لأنك شخص طيب القلب، وحسب معرفتي بك فستختار أن تؤذي نفسك على على أن يصيب الأذى محيطك.
- أنت محق، فأنا ضائع... أعجز عن الشعور، ولم أعد أعرف مالأشياء التي ستسعدني أو ستحزنني... متى أضحك، وكيف أبكي؟ كلها سيان يا صديقي ووجودها كعدمها.
قاطعه الصديق قائلا :
- وفي محاولة منك لإنقاذ نفسك، حاولت مجددا أن تختلط بمحيطك، ان تضحك عندما يضحكون، أن تلذذ بطعم أكلة أجمعوا على لذتها، أن تتسكع معهم في الطرقات... أردت أن تصبح أي شيء غير الفراغ الذي ينهشك، حتى لو كان ذلك على حساب فقدانك لشخصيتك، هويتك ومبادئك.
- أنت محق تماما، وكأنك أنا، هل أنت صوت عقلي؟ ضميري؟ أم صديقي ؟ صديقي الذي لطالما حلمت به.
- أنا ماأنت قادر على فعله، ولك حرية الإختيار صديقي.
- حسن يا .... "ماأنا قادر على فعله"، هل لك أن تلبي لي رغبة وحيدة ؟
- أنا هنا من أجلك... تفضل
- أريدك أن تحادثني... أريد أن أستمع كثيرا لكلام لا يزعجني، لكلام غير منمق، لكلام موضوعي بعيد عن المشاعر والشاعريات، عن الشكل والرسميات. أريد كلاما فقط... هل يمكنك ذلك؟؟
- حسن لك ذلك. أتعتقد أنك محظوظ كفاية، لأنك فكرت بإنقاذ نفسك قبل أن تنهار تماما؟ أنك ذكي لأنك اكتشفت علتك، ولا حظت أنك لم تكن إنسانا عاديا...
- ...ا
- طبعا، أنت كذلك، فأي إنسان هذا الذي لايشعر؟ أو فقد القدرة على الشعور، لم يعد لديه مايشعر به، والأدهى من ذلك لم يعد يعرف كيف يشعر ؟
انتهت المحادثة فجأة مثلما ابتدأت.
عاد صديقنا همام إلى منزله، و هو عبارة عن بيت صغير في سطح احد المنازل الآيلة للسقوط. وفي طريقه حاول جاهدا ألا يقابل البقال والخضار والسباك، كلهم يطالبونه بالمال وهو كالعادة يعتذر، يتهرب، ويعدهم بالدفع في الشهر المقبل.
لطالما كره الطريق المؤدي للبيت، كان فوضويا و عشوائيا تنبعث منه روائح طبيخ مختلف، روائح قاذورات تراصت تحت الجدران و مياه قذرة تتسرب بين الأزقة و العتبات. و كان أكثر مايكرهه المرور بين "أطفال" الحي و هم يلعبون ما يشبه كرة القدم، كانوا عدوانيين جدا، ولا يحترمون من يمر أمامهم وكأن ساحة الحي ملعبهم الخاص والسكان هم المعتدون وهم مخترقوا قواعد هذا الملعب. هذه المرة نجا همام من سماع الكلام البذيئ* ومر إلى زقاق بيته بسلام.
فتح باب الغرفة بملل، ووجدها غارقة في الظلام والوحدة كمثله تماما، إلا أنه يحبها كثيرا، فقد كانت ركنه الوحيد ومهربه حين يضيق به العالم الخارجي، إنها تعيد السكينة إلى قلبه بأثاثها البسيط، سرير صغير تعلوه لوحة لغروب الشمس، ويقابله مكتب خشبي وضعت فوقه دفاتر وأقلام وبضعة كتب، أما ركنه المفضل فقد كان مقابلا للنافذة حيث زينه بأريكة عتيقة ومريحة ومكتبة صغيرة تضم مجموعة من الكتب والروايات التي طالعها والتي مازالت تنتظر أن يطالعها، بالإضافة إلى خزانة ملابس صغيرة جدا ومنضدة جعلها مطبخا متحركا
تعليقات
إرسال تعليق