لن أفرط أبدا



لن أفرط أبدا في أشيائي الخاصة، مهما بدت تافهة للبعض، فإنها غالية جدا بالنسبة لي، إنها أنا تلك الطفلة وتلك المراهقة، تلك المذكرات القديمة والأوراق البالية، الكتابات البريئة والقصص القصيرة، تلك هي هويتي وهوايتي وشخصيتي، ذلك موطني وملاذي. تلك المنطقة أعرفها جيدا، لعلها أكثر شيء أجيده في هذه الحياة فقد كدت أفقدني عندما نسيتها.
لم أحفظ كل تلك الأوراق معي عبثا كل هذه السنوات، فقد حلت معي وارتحلت من غرفة لأخرى، من منزل لآخر، ومن درج مكتب إلى درج آخر.
اليوم وفي هذه الساعة، أدركت ذلك، أردت أن أفعل شيئا، وفكرت في أنه يجب علي أن أبدأ بما أجيده و بما أحبه، وتذكرت قصة قصيرة كنت قد كتبتها وأنا في الثامنة عشر من عمري، قصة لم يقرأها أحد بعد، أردت أن أعيد صياغتها وأنشرها مجددا، فبحثت عنها في الحاسوب، لكنني وجدت أني لم أنقل سوى النصف، وكان ذلك سنة 2015، وتذكرت أيضا أنني أنهيت كتابتها بخط يدي في مذكرة ما، أتذكر هذا جيدا، فقد كانت مسودة حاولت أن أنقلها بشكل جيد إلى تلك المذكرة التي تمتلئ بصور شتى لمجموعة من الحلي الأمازيغية المغربية التقليدية، لقد كانت مذكرة جميلة حقا، الآن أتذكر مكانها جيدا، إنها أسفل مجموعة من الأوراق في الدرج الثالث من المكتب.
نعم إنها هي، فتحتها وبشكل تلقائي بدأت أقرأ ماكتبته كل تلك السنوات.... لا أدري كيف أصف شعوري؟ عودة إلى الماضي، لم يكن بعيدا جدا، لكنه  اشعرني وكأنها كانت سنوات طوال، لا أقصد عددها، ولكن عدد ما مر بها من أحداث، وإذا أردنا الحقيقة، عدد ماحملته من تخبطات طيلة تلك السنوات، إنها تحمل في طياتها تلك الدرجات التي ارتقيتها، وتلك الضربات التي دفعتني للأسفل، أحيانا بتدحرج بطيء وأحيانا أخرى بسقوط وارتطام مفاجئ... لقد كان هذا مثيرا حقا.
في صفحات تلك المذكرة، وجدت  صفحة خطت بقلم أزرق فاتح، ذلك ليس خطي، إنه خط ابنة عمي....
ياإلهي مالذي أراه؟ ابنة عمي كانت قد كتبت كلمات جميلة على مذكرتي... لقد كان اعترافا، خطها جميل جدا وكلماتها أجمل وأرق، كلماتها التي أسعدتني كتبت سنة 2011, وها نحن في سنة 2020, إنها كالصدقة الجارية حقا، يجب أن أخبرها بذلك، فأخذت صورة للصفحة واحتفظت بها في هاتفي بغية إرسالها لها قريبا.
استمررت في البحث، وقلبت المزيد من الصفحات، أرى هنا صفحات تحمل أسماء الأفلام التي شاهدتها تلك السنوات، مكتوب أسفل الورقة أن ذلك كان سنة 2014فاكتشفت أن ذوقي تغير كثيرا في اختيار ومشاهدة الأفلام.
وأخيرا وجدت ضالتي، القصة التي أبحث عنها، أمامي مباشرة، خطت بألوان مختلفة و على صفحات متعددة ذلك أنني كنت أكتب على فترات متفرقة... قرأت القصة ووجدت أنني قد وضعت لها نهاية... يالسعادتي.
بداخل المذكرة هناك اوراق منفردة أيضا، إنها قصة أخرى بدون عنوان، غير أنني أتذكر بطلة القصة، وأتذكر أيضا أنني لم أستطع إنهاء كتابتها، ووجدت أيضا في بعض الصفحات أنني قد كتبت فقرات مختلفة، ونصوص شعرية قصيرة، بالإضافة إلى بعض القصص القصيرة الأخرى. إنها المواضيع الإنشائية التي كنت أكتبها في السنة الثالثة إعدادي، كنت قد احتفظت بها دهرا، أو بالأحرى احتفظت بنسخ منها قبل أن أرجعها إلى الأستاذ. الآن أتذكر أنني كنت أعيد نقلها إلى هذه المذكرة من أجل الإحتفاظ بها.
شعور رائع هذا الذي يراودني، فقد أدركت أنه من الجيد، أو من حسن حظي أنني لم أفرط أبدا في أوراقي، كتاباتي وذكرياتي، لقد أصبحت الآن بمثابة خيط رفيع يشدني ويجرني إلى نفسي كلما شعرت بالتيه والضياع. فالحمد لله دائما وأبدا.

علالي هاجر 03/03/2020
مدونة هاجر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قراءة حول شيفرة بلال للكاتب أحمد خيري العمري

شذرات يوميات 6 - اعتراف

شذرات يوميات 5